2013-12-18

مدينة الأخطبوط و صناعة الألعاب العربية

قليلاً ما أُحدّث هذه المدونة، و لم يسبق أن كتبت فيها باللغة العربية. أما عن قلة التحديثات، فيمكن أن نلوم الكسل و انشغالي بأمور أخرى. و أما مسألة اللغة، فذلك لأني فقدت الأمل في مجتمع المطورين و اللاعبين العرب منذ فترة طويلة، و قررت أن اتوجه لشريحة أوسع من الناس في كل مكان. قد يكون السبب أن لعبتي (التي سأتحدث عنها بعد قليل) موجهة لفئة صغيرة من اللاعبين، و ذلك حتى في مجتمع اللاعبين العالمين. من الصعب تسويق لعبة مغامرات سيريالية ثنائية الابعاد برسوم أشبه بألعاب الدوس. اذا أردت أن أصمم الألعاب لتحقيق مربح مادي فهناك سوق كبيرة لألعاب الفيسبوك و الهواتف الجوالة، أو ربما قد أصمم لعبة ثلاثية الابعاد عن هجوم الزومبي برسوم بسيطة جدا. و لكن هدفي ليس مادّيا، فالألعاب التي أريد صناعتها هي الالعاب التي أحب أن ألعبها. ألعاب غريبة و فريدة من نوعها تمزج القصة و المتعة مع رسومات و موسيقى ملائمة و جميلة.

عندما أتحدث عن اللاعبين العرب، فأنا أتحدث بناءً عن تجربتي الخاصة من الحديث لأصدقائي أو قراءة المنتديات و المواقع العربية، و ما أراه هو أن الألعاب لمعظم الناس في المنطقة هي ألعاب كرة القدم أو التصويب أو سرقة السيارات. طبعا الأمر ليس مختلفا كثيراً في الغرب، و لكن قاعدة اللاعبين أكبر هناك و اللغة ليست عائقاً و لذا ستجد المزيد من الناس الذين يلعبون ألعاب المغامرة أو تقمص الأدوار. بعد أن نشرت الكيكستارتر للعبتي (كما سترون لاحقاً)، وصلتني عدة ردود مشجعة من اللاعبين العرب، مما جعلني أدرك أنني استسلمت بسهولة عندما افترضت عدم وجود أي اهتمام بهذا النوع من الألعاب في المنطقة. و مع أني أدرك الآن أن هذه الافتراض خاطىء، تبقى هذه الشريحة صغيرة نسبيا، و الرد الذي أتلقاه من الاصدقاء و الأقارب بالعادة هو سؤالي لماذا اللعبة ثنائية الابعاد.

عن مدينة الأخطبوط




اللعبة التي أتكلم عنها هي "في رثاء مدينة الأخطبوط" أو Octopus City Blues و هي لعبة مغامرات ثنائية الأبعاد. ألعاب المغامرات ازدهرت في التسعينات على الحواسب الشخصية، و هي تركز على القصة و الألغاز و تقمص الأدوار أكثر من القتال أو المنافسة. الجميل في هذه الألعاب أنها بسيطة بشكل عام. ليس هناك حاجة للقلق بشأن الفيزياء أو الذكاء الصناعي و انما يمكنك التركيز على القصة و الرسوم. لقد أردت أن أصبح مصمم ألعاب منذ الصغر، و لكن طموحي كان دائما أكبر من امكانياتي. قضيت عدة سنوات أعمل على لعبة شبيهة بسويكودين أو فاينال فانتاسي، و من ثم سنتين على لعبة للآندرويد، و لكن في كل مرة كانت هذه الألعاب تكبر و تصبح صعبة التنفيذ. أما مدينة الأخطبوط، فهي فكرة فريدة من نوعها و لكنها صغيرة نسبيا. كمبرمج ألعاب مستقل، من المهم أن تبقي أفكارك في حيز محدود يمكن تنفيذه بدلاً من أن تنظر على ألعاب تجارية و تقارن نفسك بفرق محترفة.

مدينة الأخطبوط هي مدينة بنيت حول أخطبوط عملاق. الأخطبوط ليس أخطبوطاً حقيقياً، فهو يعيش على اليابسة. الهدف من بناء المدينة هو حماية السكان من آثار عصر جليدي اجتاح الأرض و دمر الحضارة البشرية. الأخطبوط يزود المدينة بالحرارة و يحمي قاطنيها من الصقيع، و لذا فقد تم بناء المدينة حول اللوامس الثمانية الضخمة للأخطبوط. الشخصية الرئيسية هنا هو كاف كافكاريان، رجل في منتصف العمر يعمل في مهنة قص و تشذيب هذه اللوامس التي تنتشر في كل مكان. كاف شخصية مميزة، فهو ليس ببطل شجاع يريد انقاذ العالم، و انما شخصية ضعيفة و بائسة تثير الشفقة، و هو ايضاً يعاني من الادمان على دماء الاخطبوط (مادة مدمنة تسبب الهلوسة). القصة تبدأ عندما تراود كاف مجموعة من الأحلام الغريبة حيث يقابل شخصيات مختلفة في هذه الأحلام. هذه الشخصيات تُريد من كاف مساعدتها عن طريق مهمات في العالم الحقيقي. شيئاً فشيئاً يبدأ الخط الفاصل بين الواقع و الخيال بالزوال و يُكشف الستار عن أسرار مظلمة و مؤامرة تهدد مدينة الأخطبوط و سكانها.


اللعبة نفسها عبارة عن لعبة مغامرات حيث يستكشف اللاعبون المدينة و يمكنهم التحدث مع مجموعة كبيرة من الشخصيات و مساعدتهم. تستعمل اللعبة نظاماً لقياس الضغط النفسي أو القلق الذي يعانيه كاف. كاف يبدأ بالتوتر عندما عندما يكون في خطر، و هذا التوتر يجعله يخفق في القيام ببعض الأعمال. لتقليل التوتر على كاف الابتعاد عن مصدر القلق أو القيام باختيارات تساعده على تهدأة نفسه. هناك أيضا نظام لقياس الندم. عندما يقوم كاف بأي من الأعمال السيئة أو التي لا تتوافق مع مبادءه، يزداد الشعور بالندم و تتغير الحوارات و الاختيارات في اللعبة. يمكن لكاف أن يشرب دماء الأخطبوط أو يلعب ألعاب الآركيد لتقليل الشعور بالندم، و لكن لهذه الأنشطة ذات طابع مؤقت و لها سلبيات مستقبلية. من الأشياء المميزة في مدينة الأخطبوط أن المدينة ديناميكية و متغيرة طول الوقت. كل من سكان المدينة له شخصية مميزة و جدول يومي حول المدينة من الصباح للمساء. الشخصيات الثانوية في كثير من الألعاب لها دور محدود و لا تتغير مع تسلسل أحداث اللعبة، و لكن في مدينة الأخطبوط الكثير من الأشياء تتغير باستمرار. طبعاً تصميم لعبة ديناميكية يتطلب الكثير من الجهد و الوقت، و لذا فاللعبة ستكون قصيرة و محدودة الى جزء صغير نسبياً من المدينة.

الفكرة الأساسية للعبة راودتني منذ أكثر من سنتين، و في البداية قمت بتصميم نسخة تجريبية باستعمال رسوماتي الخاصة و موسيقى مجانية. من المهم تجربة أي فكرة بنسخة تجريبية أو بروتوتايب. بعد ذلك بدأت البحث عن أشخاص لمساعدتي. كان من الواضح أهمية الرسوم و الموسيقى للعبة غريبة كمدينة الأخطبوط، و لكن العثور على الشخص المناسب كان صعباً جداً. بعد أكثر من سنة من البحث و بعض التجارب الفاشلة و المكلفة مع عدة رسامين، فقدت الأمل و قررت استعمال رسومي الخاصة. المشكلة في ذلك أن لدي العديد من المسؤوليات من البرمجة الى الكتابة و التصميم، و لكن لم يكن لدي خيار اذا أردت أن ترى اللعبة النور. الجميل أنه حتى باستعمال رسوماتي البدائية، فقد لمست اهتماما من مجموعة من اللاعبين و بعض التغطية الإعلامية من مواقع صناعة الألعاب المستقلة.


في مايو من هذه السنة كنت اتصفح أحد مواقع رسوم البكسل و رأيت بعض الرسوم من رسامة اسبانية اسمها مارينا نافارو ترافِسِت. رسوم مارينا لها طابع كلاسيكي و غريب و هي مثالية لمدينة الأخطبوط. مع أني فقدت الامل في العثور على رسامين و خشيت أن مارينا قد تكون مشغولة بمشاريعها الخاصة، فقد ارسلت لها بريداً الكترونياً لأسألها إن كانت مهتمة بمشروع مدينة الأخطبوط. لم أتوقع أن توافق، و لكن لم يكن هناك شيء لأخسره بالمحاولة. لحسن الحظ فقد أعجبت مارينا بالمشروع و اتفقنا سريعاً على التفاصيل و الأسعار. إذا أردت تصميم لعبة تجارية برسوم جيدة فعليك أن تدفع لزملائك في الفريق. عملت مع عدة من أصدقائي في السابق على مشاريع مجانية، و لكن من الصعب جداً ابقاء الطرف الآخر مهتماً بمشروعك و أن يعطوه الأولوية بدون أن تدفع لهم. الشيء الآخر هو أن الرسوم و الموسيقى و البرمجة كلها أنشطة صعبة تتطلب الكثير من الوقت و المهارة، و ليس من العدل أن تتوقع من الآخرين التضحية بوقتهم الثمين للعمل على مشروع قد ينجح أو يفشل. وضعت ميزانية بسيطة للعبتي، و لكن كنت أعرف أنني لا أستطيع تمويل اللعبة بأكملها بنفسي. لذا كان من الضروري العثور على مصادر أخرى للتمويل.


كيكستارتر


كيكستارتر هو أحد مواقع التمويل الجماهيري، حيث يقوم المستهلكون بتمويل الأفكار التي يريدونها مقابل جوائز عينية أو معنوية. الممولون هنا ليسوا مستثمرين بالمعنى التقليدي، بل هم أقرب إلى من يحجز نسخة مستقبلية من المنتج مقابل محفزات معينة. مواقع التمويل الجماهيري لاقت الكثير من النجاح في الآونة الأخيرة، و خصوصا في مجال الألعاب. بعض من المطورين الكبار نشروا أفكارهم على الموقع و منهم كيجي اينافوني مطور ميغا مان. هناك عدة مواقع للتمويل من المستهلكين، و منها اندي غوغو و كيكستارتر. المشكلة في كيكستارتر أنه محدود لدول معينة منها الولايات المتحدة الأمريكية و المملكة المتحدة، بينما اندي غوغو متاح لأي دولة. و لكن ميزة كيكستارتر أنه أكبر هذه المواقع و له مجتمع كبير من الأعضاء مما يعني فرصة أكبر لتمويل مشروعك. عندما تضع فكرة على كيكستارتر فعليك أن تحدد المبلغ المطلوب و مدة التمويل. إذا استطعت جمع المبلغ أو أكثر خلال هذه المدة فسيتم تحصيل المبلغ من الداعمين بعد اقتطاع نسبة لكيكستارتر و أمازون. أما اذا انتهت المهلة دون جمع المبلغ فلا يدفع الداعمون شيئاً.

نشر فكرة على كيكستارتر ليس بالأمر السهل. أكثر من نصف الافكار المعروضة تفشل، و لذا عليك القيام بالكثير من البحث و الدراسة و العثور على أفكار شبيه بفكرتك. اذا طلبت مبلغاً كبيراً فهناك نسبة أكبر أن تفشل، و لكن إن طلبت أقل مما تحتاجه فقد لا تستطيع تنفيذ فكرتك. كيكستارتر عبارة عن مسابقة شعبية تعتمد على تسويق فكرتك بفيديو جيد و نشر الوصلة لمشروعك للحصول على المزيد من الداعمين. الأمر ليس بالسهل و يحتاج الى التخطيط و المثابرة. يجب أن تبدأ تسويق الفكرة قبل الكيكستارتر و أن تصل الى مواقع كبيرة لنشر الوعي عن مشروعك. أما بالنسبة لمحدودية الدول التي تدعم كيكستارتر، فإن هذه ليست مشكلة كبيرة إذا كان أحد أعضاء الفريق من هذه الدول و لديه حساب بنكي. و لكن تذكر أن النقود المجموعة من هذه المواقع قد تخضع لضريبة الدخل.


بالنسبة لمدينة الأخطبوط، فقد بدأنا العمل على فيديو يعرض اللعبة منذ مايو و حتى نهاية أغسطس، و كذلك على محرك اللعبة و صفحة الكيكستارتر اضافة الى الجوائز التي يحصل عليها الداعمون. الكثير من الألعاب على الموقع تعرض جوائز عينية كنسخة من كتاب الرسومات أو قرص لموسيقى اللعبة أو قميص عليه شعار اللعبة، و لكننا حاولنا التركيز أكثر على الجوائز الرقمية لأن الجوائز العينية تكلف الوقت و المال لصناعتها و شحنها. بعد نشرنا للفكرة على كيكستارتر في نهاية أغسطس حصلنا على الكثير من الدعم من عدة مواقع عالمية و استطعنا تحقيق هدف التمويل (سبعة آلاف دولار) في غضون عدة أيام. في نهاية فترة التمويل حصلنا على أكثر من عشرين ألف دولار أمريكي من ثمانمئة داعم للمشروع. لم نتوقع هذا النجاح، و لكن لم نتوقع الفشل أيضاُ. بالنهاية عليك القيام بواجبك و دراسة الفكرة و الأفكار المشابهة و الاتصال بمواقع الألعاب و المنتديات لاعلام الناس بمشروعك. طبعاُ، النقود الاضافية تعني المزيد من المسؤولية لتطوير اللعبة التي يريدها الداعمون.

تطوير الألعاب في العالم العربي


نجاح الكيكستارتر تلازم مع افلاس الشركة التي اعمل فيها، و هذا جعلني أفكر بتأسيس شركتي الخاصة للعمل على مدينة الأخطبوط. الفكرة كانت دائماُ في رأسي، و مع أنّي قد عملت كمبرمج في عدة شركات تقليدية فإن طموحي كان أن أنضم لشركة تطوير ألعاب أو أن أؤسس شركتي الخاصة. المشكلة أن عدد شركات الألعاب في المنطقة صغير جداً، كما أني أفضل أن أصمم ألعابي بدلاً من العمل على لعبة فيسبوك أو أفكار معاد تكريرها من ألعاب أجنبية.

هناك العديد من العوائق في وجه من يريد تأسيس الشركات الصغيرة في المنطقة. في حالتي كمقيم في دولة الكويت و لست مواطن، فإن الأمر مستحيل بدون شريك محلي، و الكلام عن المناطق الحرة أو الاستثمار الأجنبي حبرٌ على ورق. الوضع أفضل في الامارات، و لكن رسوم المناطق الحرة و تكلفة السكن مرتفعة جداً لمشروع صغير مثل لعبتي. حتى المواطنين أمامهم العديد من العوائق كالبيروقراطية و نقص الدعم، و هذه الأمر موجود فالوطن العربي ككل. هناك بعض الحاضنات و برامج دعم المشاريع الصغيرة، و لكنها محدودة و لها شروط معقدة (مثل الاصرار على وجود شركاء).


الهدف من الشركة هو اعطائي الوقت للعمل على اللعبة و تأسيس كيان قانوني للعمل مع الناشرين و شركات منصات الألعاب، و ليس اهدار المال على رسوم ادارية غير ضرورية. في النهاية اتفقت مع مديري السابق ليكون شريكاُ معي، و هو حل جيد من ناحية التكاليف و لكنه تعقيد غير ضروري. من الأسف أن الدعم للمشاريع الصغيرة محدود في عالمنا العربي، لأن هناك الكثير من الأفكار الجيدة التي تهدر بسبب البيروقراطية.

المستقبل


لا أعلم ما يخبئه المستقبل، و لكنّي متفائل. العمل على اللعبة يسير حسب الخطة و نريد اطلاق نسخة تجريبية في يناير. لدي العديد من الأفكار لألعاب أكبر، و قد تكون مدينة الأخطبوط الأولى من شركة تطوير عربية ناجحة، و لكن حالياً أحاول أن أركز على لعبة واحدة. لعبة في رثاء مدينة الأخطبوط ستكون متوفرة باللغة الانجليزية في نهاية 2014، و ستكون هناك نسخة عربية لاحقاً. اللعبة ستكون متوفرة لأجهزة الحاسب الشخصي (وندوز، لينوكس و ماك) و الهواتف المحمولة (أبل و أندرويد)، و ربما منصات الألعاب أيضاً. يمكنك دعم اللعبة بشرائها مسبقاً على موقعنا (preorder).

2 comments: